المشاركات

عرض المشاركات من أغسطس, ٢٠٢١

الاعتزال بوصفه أداة للاختراق الأديولوجي

 بعد انحسار المعتزلة انتهى الحال بتراثهم للُعبة بأيدي الأكادميين وبروكسيات أنظمة الحداثة ومابعدها، وتحول الاعتزال لحصان طروادة لاختراق المناهج المعرفية الأصولية الراسخة وتعويمها لصالح المزاج العالمي السائد. والحقيقة أن المعتزلة ظُلِموا بافتراءِ أولاءِ عليهم بتقديمهم العقل على النص، وخلاصة معتقد المعتزلة هو أن «العقل كاشف لحكم الشرع»، فالشرع والعقل لا ينبغي أن يتعارضان لأن مصدرهما واحد. فإذا ثَبَتَ للعقل حُكْمٌ ما، فحكم العقل هو غاية حكم الشرع. وعكس ذلك صحيح.  وهذا يعني أن المعتزلة لم يجعلوا العقل مقدمًا على الشرع، بل جعلوه في مستوىً واحد معه، وهم مع ذلك يقرّون بأن العقل قد يَعْتَل أو يُثبّط لأي أمر، فيكون الشرع هو الكاشف عن حكمه الحقيقي. وبذلك، إن ثَبَتَ حُكْمٌ للشّرع، فذلك هو حكمُ العقل، وما بدى قبله حكمًا عقليًا يكون معتلٌ باطل.  ولهذا كانت معايير المعتزلة في قبول النصوص متطرفة جدا، وتطرّفت المدرسة النظامية حَدَّ أنها جوّزت وقوع التواتر كذبًا. وربما من هنا حصل الارتباك عند المعتزلة في تحديد ما هو حكم الشرع وكيف يُستدل عليه ابتداءً بالعقل.  الخلاصة أن التسويق للعقل بجعله فوق النص ونفخ

إحياء هوية العرق والنسب مجابهةً للعولمة

 جوهر الإنسان هو شخصه لا نسبه، وهذا هو المعيار المطلق في التعامل مع الناس أيًّا كانت أصولهم ومعتقداتهم. ومع ذلك، فإن هنالك [ترابطًا] وثيقًا بين عراقة النسب وبين الأخلاق ومناقب المروءة، على الأقل من حيث "التعويل". فكلما كان الإنسان أشرف نسبًا كلما رُجيَ منه أن يكون أنبل. وهذا التعويل لم يَشِع بين الناس اعتباطًا، بل إنه نشأ عمّا جربوه من بعضهم. ومع أننا لم نزل نحيا هذه التجارب، إلا أن هنالك ثقافة (شائعة كذلك) مضادة لهذا [الترابط]، مما يجعلنا حياله منفصمين؛ فنحن نؤمن به تلقائيًا، لكننا ننكره بأثر هذه الثقافة المضادة. تتمثل هذه الثقافة في نوع من الاستقراء المُعَمَّم للدروس النبوية التي وردت في نبذ المعاملة على أساس النسب، بحيث يسوقها هذا الاستقراء مساق النبذ المطلق لكل ما يربط الإنسان بنسبه. ليس هذا مقام عرض الأحاديث وتحليلها، إلا أن الجامع بين هذه الأحاديث هو أنها كانت تؤسس في العربي القديم -الذي كان العرق والنسب منظوريه المركزيين للآخر- رؤية وجودية جديدة. رؤية تحرره هو أولًا من قصوره في النظر للآخر، وتنفذ به إلى أبعد من هذه المناظير التي تغلب عليها المادية، وتحرر الآخر ثانيًا م

امتهان المقدسات بوصفه أداة نيوليبرالية

  قبل سنوات دار بيني وبين مجموعة من المسيحيين الأمريكان -كلٌّ على حدة- حوار حول تجديف هوليوود، تحديدًا بامتهان المسيحية في كثير من أفلام ومسلسلات الكوميديا والرعب والغموض والأساطير، حتى تحول يسوع (Jesus) -[تعالى عليه السلام]- إلى أيقونة للتهكم والسخرية في ثقافة البوب pop culture، من خلال الميمز، وأساليب التمجيد الساخرة البذيئة [holy cow، holy sh*t، holy moly، gosh..] وكان سؤالي هو عن شعورهم حيال ذلك. الغريب، كان رد كل واحد منهم هو الرد نفسه، وكأنما بُرمِجوا عليه. هذا -كما يقولون- شأن خاص لا يتدخلون فيه، فالناس لهم حرية التعبير والاعتقاد، وهو في الأخير مجرد لهو، وأن يسوع الذي يُسخر منه هو يسوع مختلق لا علاقة له بيسوع الذي يؤمنون به، وحتى لو كان المقصود هو يسوع ذاته، فلا يضير قداسته أن تسخر منه هوليوود. الحقيقة أن موقفًا كهذا غير مستغرب، خصوصا من المسيحيين. فهم ذوو الرهبانية المنكفئة التي تُعلم المسيحي بأن يدير خده الآخر لمن صفعه ليصفعه مرة أخرى. كما أن مداهناتهم "طويلة المدى" لأديولوجيات التنوير الأوروبي، انتهت بهم إلى أن لفّقوا لأنفسهم مسيحية متوائمة مع تلك الأديولوجيات المعا