الاعتزال بوصفه أداة للاختراق الأديولوجي

 بعد انحسار المعتزلة انتهى الحال بتراثهم للُعبة بأيدي الأكادميين وبروكسيات أنظمة الحداثة ومابعدها، وتحول الاعتزال لحصان طروادة لاختراق المناهج المعرفية الأصولية الراسخة وتعويمها لصالح المزاج العالمي السائد. والحقيقة أن المعتزلة ظُلِموا بافتراءِ أولاءِ عليهم بتقديمهم العقل على النص، وخلاصة معتقد المعتزلة هو أن «العقل كاشف لحكم الشرع»، فالشرع والعقل لا ينبغي أن يتعارضان لأن مصدرهما واحد. فإذا ثَبَتَ للعقل حُكْمٌ ما، فحكم العقل هو غاية حكم الشرع. وعكس ذلك صحيح.

 وهذا يعني أن المعتزلة لم يجعلوا العقل مقدمًا على الشرع، بل جعلوه في مستوىً واحد معه، وهم مع ذلك يقرّون بأن العقل قد يَعْتَل أو يُثبّط لأي أمر، فيكون الشرع هو الكاشف عن حكمه الحقيقي. وبذلك، إن ثَبَتَ حُكْمٌ للشّرع، فذلك هو حكمُ العقل، وما بدى قبله حكمًا عقليًا يكون معتلٌ باطل.

 ولهذا كانت معايير المعتزلة في قبول النصوص متطرفة جدا، وتطرّفت المدرسة النظامية حَدَّ أنها جوّزت وقوع التواتر كذبًا. وربما من هنا حصل الارتباك عند المعتزلة في تحديد ما هو حكم الشرع وكيف يُستدل عليه ابتداءً بالعقل.

 الخلاصة أن التسويق للعقل بجعله فوق النص ونفخ النزعة العقلانية الفردانية عند الناس لا علاقة له بالمعتزلة. فهم مهما تطرفوا في قواعدهم العقلية الحاكمة على النص، يبقى الشرع عندهم مطلقًا ولهم قواعدهم الأصولية في استنباط أحكامه، ومنهجهم العقلي ليس بتلك السيولة والسطحية اللّتَيْن يُسوّق بهما.


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ويكيبيديا: عالم مفتوح للمعرفة أم أداة للسيطرة؟

كبح الرجل بكاءه: تقليد ذكوري بالي أم ضرورة أخلاقية؟