مآلات الجنس التلذذي

 

 "في الحضارة التي يصل فيها الاهتمام بالجنس والتركيز على الأعضاء التناسلية حد الهوس، ثمة محاولة إلى تحييده تمامًا أو إلغائه (أي الجنس)."  - عمرو شريف (أنا تتحدث عن نفسها ص312).


كل الذين يقولون لك: (أنت تتدخل في سلوكيات الناس الجنسية لأنك مهووس جنسيًا)، في الحقيقة هم المهووسون جنسيًا. إنهم يكرهون أن يوضع الجنس في قوالب دين وأخلاق وفلسفة، إنهم يشعرون بأن الجنس أقدس من أن يُقيّد أو ينقد بأي شكل. وهم بذلك مدفوعون باللذة لا بمبادئ تحررية. أقول هم مدفوعون باللذة لأن الجنس عندما يتحول لتفاعلات عائمة دون غايات محددة -أو غايات كبرى إن شئت-، لا يمكن أن يكون إلا شبقًا. والغايات المحددة أو الكبرى لا يمكن أن تتحقق في أشياء عائمة غير موجهة بثوابت وقيم.

عندما تكون اللذة هي الموجِّه للجنس، فإنها لابد أن تحوّل الإنسان في الأخير لمجرد كومة من اللحم بها عدة فتحات، ولأن الإنسان مخلوق واسع الخيال، فلن يكتفي بخيار جنسي واحد وعملية جنسية ذات طبيعة محددة، بل سيحول الجنس لسوق يتضمن أي كومة لحم -بل حتى كومة أي شيء- يمكن أن توفر اللذة. هذا السوق سيتضمن في الأخير أي أحد/شيء، أب أم أخ أخت كلب ماعز دمية إلخ.. وسيتضمن أي جنس، فالجنس الموجه باللذة لا يعترف بالتوجه الجنسي المركزي (ذكر-أنثى)، بل سيعبث بهذه المعادلة كمّا ونوعًا.

نحن نُتهم أننا مجتمعات تعيش حالة سُعار جنسي، وربما -أقول ربما- أن هذه حقيقة يجب أن نواجهها، فنحن نعيش محنة تجاذب شرسة بين قطبين. الأول: هو منظومة قيمية اجتماعية ودينية لا يعدو معظمها كونه مجرد معاني نصارعها في ضمائرنا، أي أن تَمَثُّلُها في الواقع سيبدو كنوع من الرهبانية المتطرفة. الثاني: نظام عالمي جبري يتبنى الجنس كرأس حربة ويفرض نفسه بقوة الإعلام والمال كواقع تَكَرّس بالتدريج في سلوكياتنا. إن السعار الجنسي هو نتيجة طبيعية لحالة التجاذب الشرسة هذه، ضمن ظروف اجتماعية واقتصادية تجعل من الزواج حلًّا صعبًا ومتعسّرًا.

لكن رغم هذا التجاذب الشرس، ظلت غايات الجنس وتفاعلاته لدينا مُعرّفة بشكل صارم، ولازالت الدفاعية الثقافية ضد تعويم الجنس (تحويله لمذهب تلذذي hedonistic صِرف) قوية وراسخة. إن هذه الدفاعية، لا تعني أننا مهووسون بالجنس، بل تعني أن الجنس في ثقافتنا أقدس من أن يصبح مختزلًا باللذة وحدها.

إن الذين يقدمون الجنس الخاضع لمذهب اللذة hedonism بوصفه حالة عالمية تقدمية، هم ضمنيًا لا يبالون بمآلاته. قبل عقدين كنا سنقول إن من مآلات الجنس العائم هو تشريع الشذوذ، ولكن بما أن الشذوذ أصبح مشرعًا، فإن مآلاته القادمة ستشمل تشريع سفاح المحارم والغلمانية وهيام الحيوانات bestiality. وكلها هذه توجهات بدأت تطفو على السطح من خلال إعطاء الأطفال حرية التجنسن، كالصبي Desmond Napoles ذي العشرة أعوام المدعوم بالكامل من والديه. وربما في السنوات القليلة القادمة سنشهد حركة حقوقية لأطفال مدعومين من قبل أهاليهم يطالبون بحقهم في ممارسة الجنس مع الغلمانيين، وكل ما يحتاجون لنيله هو شعارات سخيفة مثل love is love.

إن الحقائق مقلوبة، بحيث من يدافع عن الجنس بوصفه تفاعل أقدس وأشمل من اللذة يكون مهووسًا جنسيًا، أما من يعوّم الجنس ويجعل كل شيء -تقريبًا- مركوبًا جنسيًا، ولا يرى شيئا مثيرا للاشمئزاز في سفاح المحارم مثلًا، فهو تحرري وتقدمي.

لقد تفاقم الجنس العائم الغربي حتى ركب كل شيء -حرفيًا كل شيء.. المحارم والحيوانات والدمى- وعندما اصطدم بتأطيرات صارمة للجنس، اتهم من يتبانها بأنه مهووس جنسي. لكن الحقيقة أن الهوس الجنسي هو في تعويم الجنس لا في تحديده تحديدًا مبادئيًا صارمًا.

من أخطر ما يتبناه هذا التوجه أنه يقول لنا بأن ترويض الشبق يولّد عقدًا وأزمات نفسية، لكن في الحقيقة أن الإنسان لا يترقى ويتحرر إلا بأن يجعل سلوكياته محكومة بالمبادئ لا بالتلذذ. إن السعي وراء اللذة وحدها هو ما ينتج إنسانًا مسخًا يكفي أن نحرمه اللذة ليظهر على حقيقته كحيوان هائج خطير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ويكيبيديا: عالم مفتوح للمعرفة أم أداة للسيطرة؟

كبح الرجل بكاءه: تقليد ذكوري بالي أم ضرورة أخلاقية؟

الاعتزال بوصفه أداة للاختراق الأديولوجي