الحجاب من منظور الصراع الحضاري

 

تكمن القوة الرمزية للحجاب -ليس في كونه مجرد ثورة على الثورة الجنسية وتسليع المرأة، وإن كان ذلك حقيقي، إلا أنه مكمن يحاصر الحجاب في نطاق محدود مختزل- بل تكمن قوته الرمزية في كونه تقليد يستعصي على أي تفسيرات حداثية أو مابعدحداثية. إنه رمز تقاليدي صِرف محمّل بمضامين تاريخية وحضارية عريقة تتناقض بشراسة مع الحضارة القائمة المؤسَّسَة على تبديد التقاليد. فهو -مثلاً- يؤكد على بُعد القداسة المضفى على المرأة بوصفها وعاء الخلق، والذي يجعل معاني التبتل كالعفاف والحياء لصيقة بها أكثر، ويجعل الرذيلة الصادرة عنها أشنع.

كما أنه يؤكد على أن الجنس في مستواه الغريزي الجسدي هو دافع أصيل في علاقة الرجل بالمرأة. بالتالي فهو يلغي أي أديولوجيا -سواء اجتماعية أو اقتصادية- تحاول صهر الذكورة والأنوثة في قالب واحد متجاوزة بذلك كل الغرائز والمعارف والتجارب الاجتماعية التي أكدت عليها كل الحضارات السابقة.

إن حضور الحجاب يعني حضور هذه المضامين التقاليدية بكل ثقلها الحضاري والفلسفي، ولو أردنا أن نصيغه صياغة ثورية محرَّرة، فالحجاب رمز حضاري يقسم التاريخ بكل صرامة إلى قسمين لا يمكن أن يتمازجان إطلاقًا.

لهذا كان الحجاب دائما أكبر هواجس المستعمر، لأن إلغاءه يعني إعلان صدام مباشر مع جوهر الإنسان التقليدي، وإبقاءه كان كذلك يعني إبقاء الوعي بالصراع حيًّا. إن مجرد ارتداءه -حتى في قالب أزياء تلذذي شهواني- كفيل بإثارة حنق أي أديولوجي يتبنى قيم الحضارة المادية القائمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ويكيبيديا: عالم مفتوح للمعرفة أم أداة للسيطرة؟

كبح الرجل بكاءه: تقليد ذكوري بالي أم ضرورة أخلاقية؟

الاعتزال بوصفه أداة للاختراق الأديولوجي